دروس في البديع (6) مع محمد البياسي

دروس في البديع

6

• التمكين

التمكين، وهو أن يمهد الشاعر لقافية البيت، تمهيدًا تأتي القافية به متمكنة في مكانها، مستقرة في حيّزها ، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة، ويكون معناها متعلقًا بمعنى البيت كله تعلقًا تامًا,بحيث لو طُرحت من مكانها أو استبدلت بكلمة أخرى اختل معنى البيت واضطرب مفهومه أو تراجعت بلاغته إلى حدها الأدنى.

.

• من أجمل ما أورده البلاغيون في أمر التمكين قول النابغة:

زَعَــمَ الـهُـمامُ بـأنّ فـاها بـارِدٌ
عـذبٌ مـقبلهُ ، شـهيُّ الموردِ
.
زَعَـمَ الـهُمامُ، ولـم أذُقْـهُ، أنّـهُ
عذبٌ ، إذا ما ذقتهُ قلتَ : ازددِ
.
زَعَـمَ الـهُمامُ، ولـم أذُقْـهُ، أنّـهُ
يُروى، بريّقه ، العطشُ الصدي

فقوله : بارد عذب, مهد لتمكين القافية الرائعة : شهي المورد
ولو لم يقدّم ب (بارد عذب) لما صحت كلمة المورد في القافية
وقوله : عذب
في البيت الثاني مهد لقوله : ازدد
لأن العطِشَ حتى لو ارتوى فقد يشرب أكثر, استمتاعا وليس ارتواء إذا كان الماء عذبا باردا
قوله : يُروى
مهّد للقافية الرائعة : الصدي (بمعنى الظمآن)

• الإلتفات

فن رائع من فنون البديع في العربية يضفي على النص أو البيت حركةً وجمالًا ويكون له ما له في التأثير على المتلقي.
والالتفات هو انصراف المتكلم عن الإخبار إلى المخاطبة ومن المخاطبة إلى الإخبار وما يشبه ذلك, أو الإنصراف عن معنى إلى معنى آخر.
.قسم ابن الأثير الالتفات الى ثلاثة أقسام :
1. الرجوع عن الغيبة إلى الخطاب والرجوع عن الخطاب إلى الغيبة
2. الرجوع عن الفعل المستقبل الى فعل الأمر ,والرجوع عن الفعل الماضي إلى الأمر.

3. في الإخبار عن الماضي بالمستقبل , وعن المستقبل بالماضي
من الرجوع عن الغيبة إلى الخطاب قوله عز وجل :
{{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) }}
انظر كيف انتقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب
ويقول ابن الأثير ان فائدة ذلك هي زيادة التسجيل على قائلي هذا الكلام بالجرأة على الله, والتعرض لسخطه,كأنهم بين يديه يوبخهم وينكر عليهم ما قالوا.
ومن ذلك أيضا (الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة) قول القاضي الأرجاني :
وهل هي إلا مهجة يطلبونهــــــــا
فإن أرضت الأحباب فهي لهم فدى
.
إذا رمتمُ قتلي وأنتـــــــــم أحبتي
فماذا الذي أخشى إذا كنتم عدى
.
انظر كيف انتقل من الغيبة في البيت الاول الى المخاطبة في البيت الثاني
.

يتبع ان شاء الله ....